الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **
قال أبو محمد: اختلف الناس في المعارف ف قال قائلون المعارف كلها باضطرار إليها و قال آخرون المعارف كلها باكتساب لها و قال آخرون بعضها باضطرار وبعضها باكتساب. قال أبو محمد: والصحيح في هذا الباب أن الإنسان يخرج إلى الدنيا ليس عاقلاً لا معرفة له قال أو محمد: فحركاته كلها طبيعية كأخذه الثديين حين ولادته وتصرفه تصرف البهائم على حسبها في تألمها وطربها حتى إذا كبر وعقل وتقوت نفسه الناطقة وأنست بما صارت فيه وسكنت إليه وبدت رطوباته تجف بدأت بتمييز الأمور في الدار التي صارت فيها فيحدث الله تعالى لها قوة على التفكر واستعمال الحواس في الاستدلال وأحدث الله لها الفهم بما تشاهد وما تخبر به فطريقه إلى بعض المعارف اكتساب في أول توصله إليها لأنه بأول فهمه ومعرفته عرف أن الكل أكثر من الجزء وأن جسماً واحداً لا يكون في مكانين وأنه لا يكون قاعداً قائماً معاً وهو إن لم يحسن العبارة عن ذلك فإن أحواله كلها تقتضي تيقنه كل ما ذكرنا وعرف أولاً صحة وما أدرك بحواسه ثم انتجت له بعد ذلك سائر المعارف بمقدمات راجعة إلى ما ذكرنا من قرب أو بعد فكل ما ثبت عندنا ببرهان وإن كان بعيد الرجوع إلى ما ذكرنا فمعرفة النفس به اضطرارية لأنه لو رام جهده أن يزيل عن نفسه المعرفة بما ثبت عنده هذا الثبات لم يقدر فإذ هذا لا شك فيه فالمعارف كلها باضطرار إذ ما لم يعرف بيقين فإنما عرف بظن وما عرف ظناً فليس علماً ولا معرفة هذا ما لا شك فيه إلا أن يتطرق إلى طلب البرهان بطلب وهذا الطلب هو الاستدلال ولو شاء أن لا يستدل لقدر على ذلك فهذا الطلب وحده هو الاكتساب فقط وأما ما كان مدركاً بأول العقل وبالحواس فليس عليه استدلال اًلاً بل من قبل هذه الجهات يبتدي كل أحد بالاستدلال وبالرد إلى ذلك فيصح استدلاله أو يبطل وحد العلم بالشيء وهو المعرفة به أن نقول العلم والمعرفة اسمان واقعان على معنى واحد وهو اعتقاد الشيء على ما هو عليه وتيقنه به وارتفاع الشكوك عنه ويكون ذلك إما بشهادة الحواس وأول العقل وأما ببرهان راجع من قرب أو من بعد إلى شهادة الحواس أو أول العقل وإما بإنفاق وقع له في مصادفة اعتقاد الحق خاصة بتصديق ما افترض الله عز وجل عليه اتباعه خاصة دون استدلال وأما علم الله تعالى فليس محدوداً أصلاً ولا يجمعه مع علم الخلق حد فلا حس ولا شيء أصلاً وذهبت الأشعرية إلى أن علم الله تعالى واقع مع علمنا تحت حد واحد. قال أبو محمد: وهذا خطأ فاحش إذ من الباطل أن يقع ما لم تزل النهايات وعلم الله تعالى ليس هو غير الله تعالى على ما بيننا قبل وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: قال ت طوائف منهم الأشعرية وغيرهم من اتفق له اعتقاد شيء على ما هو به عن غير دليل لكن بتقليد أو تميل بإرادته فليس عالماً به ولا عارفاً به ولكنه معتقد له و قال وا كل علم ومعرفة اعتقاد وليس كل اعتقاد علماً ولا معرفة لأن العلم والمعرفة بالشيء إنما يعبر بهما عن تيقن صحته قال وا وتيقن الصحة لا يكون إلا ببرهان قال وا وما كان بخلاف ذلك فإنما هو ظن ودعوى لا تيقن بها إذ لو جاز أن يصدق قول بلا دليل لما كان قول أولى من قول ولكانت الأقوال كلها صحيحة على تضادها ولو كان ذلك لبطلت الأقوال ولبطلت الحقائق كلها لأن كل قول يبطل كل قول سواه فلو صحت الأقوال كلها لبطلت كلها لأنه لو كان يكون كل قول صادقاً في إبطاله ما عداه. قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى التوفيق إن التسمية والحكم ليس إلينا وإنما هما إلى خالق اللغات وخالق الناطقين بها وخالق الأشياء ومرتبها كما شاء لا إله إلا هو قال عز وجل منكراً على من سمى من قبل نفسه " قال أبو محمد: فهذان طريقان لا ثالث لهما كل طريق منها تنقسم قسمين أحدهما من اتبع الذي أمره الله عز وجل باتباعه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مؤمن عالم حقاً سواء استدل أو لم يستدل لأنه فعل ما أمره الله تعالى به ثم ينقسم هؤلاء قسمين أحدهما من لم يتبع قط غيره عليه الصلاة والسلام ووافق الحق بتوفيق الله عز وجل فهذا له في كل عقد اعتقده أجران وأما أن يكون حرم موافقه الحق وهو مريد في أمره ذلك اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا معذور مأجور أجراً واحداً ما لم تقم عليه الحجة فيعاندها وهذا نص قوله عليه السلام في الحاكم المجتهد المصيب والمخطي والطريق الثاني من اتبع غير الذي أمره الله باتباعه فهذا سواء استدل أو لم يستدل هو مخطي ظالم عاص لله تعالى وكافر على حسب ما جاءت به الديانة في أمره ثم ينقسم هؤلاء قسمين أحدهما أصاب ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير قاصد إلى اتباعه عليه الصلاة والسلام فيه والآخر لم يصبه فكلاهما لا خير فيه وكلاهما آثم غير مأجور وكلاهما عاص لله عز وجل أو كافر على حاسب ما جاءت به الديانة من أمره لأنهما جميعاً تعديا حدود الله عز وجل فيما أمرهم به من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال تعالى " قال أبو محمد: هذا حق على ظاهره كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يقول هذا إلا المنافق أو المرتاب لا المؤمن الموقن بل المؤمن الموقن ذكر في هذا الحديث أنه يقول هو عبد الله ورسوله أتانا بالهدى والنور أو كلاماً هذا معناه فإنما أخبر عليه السلام عن موقن ومرتاب لا عن مستدل وغير مستدل وكذلك نقول أن من قال في نفسه أو بلسانه لولا أني نشأت بين المسلمين لم أكن مسلماً وإنما اتبعت من نشأت بينهم فهذا ليس مؤمناً ولا موقناً ولا متبعاً لمن أمره الله تعالى باتباعه بل هو كافر. قال أبو محمد: وإذا كان قد يستدل دهره كله من لا يوفقه الله تعالى للحق وقد يوفق من لا يستدل يقيناً لو علم أن أباه أو أمه أو ابنه أو امرأته أو أهل الأرض يخالفونه فيه لاستحل دماءهم كلهم ولو خير بين أن يلقي في النار وبين أن يفارق الإسلام لاختار أن يحرق بالنار على أن يقول مثل هذا قلنا فإذ هو موجود فقد صح أن الاستدلال لا معنى له وإنما المدار على اليقين والعقد فقط وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: وإنما يضطر إلى الاستدلال من نازعته نفسه غليه ولم يسكن قلبه إلى اعتقاد ما لم يعرف برهانه فهذا يلزمه طلب البرهان حينئذ ليقي نفسه ناراً وقودها الناس والحجارة فإن مات شاكا قبل أن يصح عنده البرهان مات كافراً مخلداً في النار أبداً. قال أبو محمد: ثم نرجع إلى ما كنا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب فنقول وبالله تعالى التوفيق أن المعلوات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقنه ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحته والثاني لم يقم على صحته برهان وأما ما لم يتيقن المرء صحته في ذاته فليس عالماً به ولا له به علم وإنما هو ظان له وأما كل ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطر إلى علمه به لأنه لا مجال للشك فيه عنده وهذه صفة الضرورة وأما الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه. قال أبو محمد فعلمنا بحدوث العالم وأن له بكل ما فيه خالقاً واحداً لم يزل لا يشبهه شيء من خلقه في شيء من الأشياء والعلم بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة كل ما أتى به مما نقله إلينا الصحابة كلهم رضي الله عنهم ونقله عنهم الكواف كافة بعد كافة حتى بلغ إلينا أو نقله المتفق على عدالته عن مثله وهكذا حتى بلغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كله علم حق متيقن مقطوع على صحته عند الله تعالى لأن الأخذ بالظن في شيء من الدين لا يحل قال الله تعالى " قال أبو محمد: وأما ما اجتمعت عليه الجماعات العظيمة من أرايهم مما لم يأت به نص عن الله عز وجل ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل عند الله بيقين لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله عز وجل و قال على الله تعالى ما لم يقله وبرهان ذلك أنه قد يعارض ذلك قول آخر قال ته جماعات مثل هذه والحق لا يتعارض والبرهان لا يناقضه برهان آخر وقد تقصينا هذا في كتابنا المرسوم الأحكام في أصول فأغني عن ترداده والحمد لله رب العالمين. قال أبو محمد: فكل من كان من أهل الملل المخالفة فبلغته معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وقامت عليه البراهين في التوحيد فهو مضطر إلى الإقرار بالله تعالى وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك كل من قام على شيء ما أي شيء كان عنده برهان ضروري صحيح وفهمه فهو مضطر إلى التصديق به سواء كانت من الملل أو من النحل أو من غير ذلك وإنما أنكر الحق في ذلك أحد ثلاثة إما غافل معرض عما صح عنده من ذلك مشتغل عنه بطلب معاشه أو بالتزيد من مال أو جاه أو صوت أو لذة أو عمل يظنه صلاحاً أو إيثاراً للشغل بما يتبين له من ذلك عجزاً وضعف عقل وقلة تمييز لفضل الإقرار بالحق أو مسوف نفسه بالنظر كحال كل طبقة من الطبقات الذين نشاهدهم في كل مكان وكل زمان وأما مقلد لأسلافه أو لمن نشأ بينهم قد شغله حسن الظن بمن قلد أو استحسانه لما قلد فيه وغمر الهوى عقله عن التفكير فيما فهم من البرهان قد حال ما ذكرناه بينه وبين الرجوع إلى الحق وصرف الهوى وناظر قلبه عن التفكير فيما يتبين له من البرهان ونفر عنه وأوحشه منه فهو إذا سمع برهاناً ظاهراً لا مدفع فيه عنده ظنه من الشيطان وغالب نفسه حتى يعرض عنه و قال ت له نفسه لا بد أن هاهنا برهاناً يبطل به هذا البرهان الذي أسمع وإن كنت أنا لا أدريه وهل خفي هذا على جميع أهل ملتي وأهل نحلتي أو مذهبي أو على فلان وفلان وفلان ولا بد أنه قد كان عندهم ما يبطلون به هذا. قال أبو محمد: وهذا عام في أكثر من يظن أنه عالم في كل ملة وكل نحلة وكل مذعب وليس واحد من هاتين الطائفتين إلا والحجة قد لزمته وبهرته ولكنه غلب وساوس نفسه وحماقاتها على الحقايق اللايحة له ونصر ظنه الفاسد على يقين قلبه الثابت وتلاعب الشيطان به وسخر منه فأوهمه لشهوته لما هو فيه أن هاهنا دليلاً يبطل به هذا البرهان وأنه لو كان فلان حياً أو حاضراً لأبطل هذا البرهان وهذا أعظم ما يكون من السخافة لما لا يدري ولا سمع به وتكذيب لما صح عنده وظهر إليه ونعوذ بالله من الخذلان والثالث منكر بلسانه ما قد تيقن صحته بقلبه إما استدامة لرياسة أو استدرار مكسب أو طمعاً في أحدهما لعله يتم له أو لا يتم ولو تم له لكان خاسر الصفقة في ذلك أو أثر غروراً ذاهباً عن قريب على فوزاً لا بد أو يفعل ذلك خوف أذى أو عصبية لمن خالف ما قد قام البرهان عنده أو عداوة لقايل ذلك القول الذي قام به عنده البرهان وهذا كله موجود في جمهور الناس من أهل كل ملة وكل نحلة وأهل قال أبو محمد: وي قال لمن قال ممن ينتمي إلى الإسلام أن المعارف ليست باضطرار وإن الكفار ليسوا مضطرين إلى معرفة الحق في الربوبية والنبوة وأخبرونا عن معجزات الأنبياء عليهم السالم هل رفعت الشك جملة عن كل من شاهدها وحسمت عللها وفصلت بين الحق والباطل فصلاً تاماً أم لا فإن قال وا نعم أقروا بأن كل من شاهدها مضطر إلى المعرفة بأنها من عند الله تعالى حق شاهد بصدق من أتى بها ورجعوا إلى الحق الذي هو قولنا ولله الحمد وأن قال وا لا بل الشك باق فيها ويمكن أن تكون غير شاهدة بأنهم محقون قطع بأن الأنبياء عليهم السلام لم يأتوا ببرهان وإن الشك باق في أمرهم وأن حجة الله تعالى لم تقع على الكفار ولا لزمهم قط له تعالى حجة وأن الأنبياء عليهم السلام إنما أتوا بشيء ربما قام في الظن أنه حق وربما لم يقم وهذا كفر مجرد من دان به أو قال ه وهكذا نسألهم في البراهين العقلية على آيات التوحيد وفي اكواف الناقلة أعلام الأنبياء عليهم السلام حتى يقروا بالحق بأن حجج الله تعالى بكل ما ظهرت وبهرت واضطرت الكفار كلهم إلى تصديقها والمعرفة بأنها حق أو يقولوا أنه لم تم لله حجة على أحد ولا تبين قط لأحد تعين صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإنما نحن في الإقرار بذلك على ظن إلا أنه من الظنون قوي وقد يمكن أن يكون بخلاف ذلك ومن قال بهذا فهو كفر مجرد محض شرك لا خفاء به ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: ومن أنكر أن يكون الكفار وكل مبطل مضطرين إلى تصديق كل ما قام به برهان بعد بلوغه إليهم و قال أن ما اضطر المرء إلى معرفته فلا سبيل له إلى إنكاره أريناه كذب قوله في تكوين الأرض والأفلاك ومدار الشمس والقمر والنجوم وتناهي مسافة كل ذلك وأكثر الناس على إنكار هذا ودفعه الحق في ذلك وكذلك من دان بالقياس والرأي أو دليل الخطاب وسمع البراهين في إبطالها فهو مضطر إلى معرفة بطلان ما هو عليه مكابر لعقله في ذلك مغالط لنفسه مغالب ليقينه مغلب لظنونه. قال أبو محمد: وعلم الملائكة عليهم السلام وعلم النبيين عليهم السلام بصحة ما جاءتهم به الملائكة وأوحي إليهم به وأروه في منامهم علم ضروري كساير ما أدركوه بحواسهم وأوايل عقولهم وكعلمهم بأن أربعة أكثر من اثنين وأنا النار حارة والبقل أخضر وصوت الرعد وحلاوة العسل ونتن الحلتيت وخشونة القنفذ وغير ذلك ولو لم يكن الأمر كذلك لكان عند الملائكة والنبيين شكاً في أمرهم وهذا كفر ممن أجازه إلا أن الملائكة لا علم لهم بشيء إلا هكذا ولا ظن لهم أصلاً لأنهم لا يخطئون ولا ركبوا من طبايع متخالفة كما ركب الإنسان فإن قال قائل فإذ العلم كله باضطرار فعل الله تعالى في النفوس فكيف يوجر الإنسان أو يعذب على فعل الله تعالى فيه قلنا نعم لا شيء في العالم إلا خلق الله تعالى وقد صحح البرهان بذلك على ما أوردنا في كلامنا في خلق الأفعال في ديواننا والحمد لله رب العالمين وما نقل حافظ نصاً ولا برهان عقل بالمنع من أن يعذبنا الله تعالى ويؤجرنا على ما خلق فينا والله تعالى يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهو يسألون. قال أبو محمد: وكيف ينكر أهل الغفلة أن يكون قوم يخالفون ما هم إلى المعرفة به مضطرون وهم يشاهدون السوفسطائية الذين يبطلون الحقائق جملة وكما يعتقد النصارى وهم أمم لا يحصي عددهم إلا خالقهم ورازقهم ومضلهم لا إله إلا هو وفيهم علماء بعلوم كثيرة وملوك لهم التدابير الصائبة والسياسات المعجبة والآراء المحكمة والفطنة في دقائق الأمور وبرص بغوامضها وهم مع ذلك يقولون أن واحداً ثلاثة وثلاثة واحد وأن أحد الثلاثة أب والثاني ابن والثالث روح وأن الأب هو الابن وليس هو الابن والإنسان هو الإله وهو غير إله وإن المسيح إله تام وإنسان تام وهو غيره وإن الأول الذي لم يزل هو الحدث الذي لم يكن ولا هو هو. قال أبو محمد: وليس في الجنون أكثر من هذا واليعقوبية منهم وهم مئين ألوف يعتقدون أن الباري تعالى عن كفرهم ضرب بالسياط واللطام وصلب ونحر ومات وسقى الحنظل وبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر وكأصحاب الحلول وغالية الرافضة الذين يعتقدون في رجل جالس معهم كالحلاج وابن أبي العز أنه الله والإله عندهم قد يبول ويسلح ويجوع فيأكل ويعطش فيشرب ويمرض فيسوقون إليه الطبيب ويقلع ضرسه إذا ضرب عليه ويتضرر إذا أصابه دمل ويجامع ويحتجم ويفتصد وهو الله الذي لم يزال ولا يزال خالق هذا العالم كله ورازقه ومحصيه ومدبره ومدبر الأفلاك المميت المحيي العالم بما في الصدور ويصبرون في جنب هذا الاعتقاد على السجود والمطابق وضرب السياط وقطع الأيدي والأرجل والقتل والصلب وهتك الحريم وفيهم قضاة وكتاب وتجاورهم اليوم ألوف وكما يدعي طوائف اليهود وطوائف من المسلمين أن ربهم تعالى جسد في صورة الإنسان لحم ودم يمشي ويقعد كالأشعرية الذين يقولون أن هاهنا أحوالاً لا مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا معلومة ولا مجهولة ولا حق ولا باطل وأن النار ليست حارة والثالج ليس بارداً وكما يقول بعض الفقهاء وأتباعه أن رجلاً واحداً يكون ابن رجلين وابن امرأتين كل واحد منهما أمه وهو ابنها بالولادة. قال أبو محمد: أترى كل من ذكرنا لا تشهد نفسه وحسه ولا يقر عقله بأن كل هذا باطل بلى والذي خلقهم ولكن العوارض التي ذكرنا قبل سهلت عليهم هذا الاختلاط وكرهت عليهم الرجوع إلى الحق والإذعان له. قال أبو محمد: وأما العناد فقد شاهدناه من كل رأيناه في المناظرة في الدين وفي المعاملات في الدنيا أكثر من أن يحصي ممن يعلم الحق يقيناً ويكابر على خلافه ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله قال أبو محمد: لا يدرك الحق من طريق البرهان إلا من صفى عقله ونفسه من الشواغل التي قدمنا ونظر من الأقوال كلها نظراً واحداً واستوت عنده جميع الأقوال ثم نظر فيها طالباً لما شهدت البراهين الراجعة رجوعاً صحيحاً غير مموه ضرورياً إلى مقدمات مأخوذة من أوايل العقل والحواس غير مسامح في شيء من ذلك فهذا مضمون له بعون الله عز وجل الوقوف على الحقائق والخلاص من ظلمة الجهل وبالله تعالى التوفيق. وأما ما نقله اثنان فصاعداً نوقن أنهما لم يجتمعا ولا تساررا فأخبرا بخبر واحد راجع إلى ما أدركه بالحواس من أي شيء كان فهو حق بلا شك مقطوع على حيته والنفس مضطرة إلى تصديقه وهذا قول أحد الكافة وأولها إذ لا يمكن البتة اتفاق اثنين في توليد حديث واحد لا يختلفان فيه عن غير تواطؤ وأما إذا تواطأت الجماعة العظيمة فقد تجتمع على الكذب وقد شاهدنا جماعات يشكرون ولاتهم وهم كاذبون إلا أن هذا لا يمكن أن يتفقوا على ظنه أبداً ومن أنكر ما تنقله الكافة لزمه أن لا يصدق أنه كان في الدنيا أحد قبله لأنه لا يعرف كون الناس إلا بالخبر. قال أبو محمد: وقد يضطر خبر الواحد في بعض الأوقات إلى التصديق يعرف ذلك من تدبر أمور نفسه كمتذر بموت إنسان لدفنه وكرسالة من عند السلطان يأتي بها بريد وككتاب وارد من صديق بديهة وكمخبر يخبرك أن هذا دار فلان وكمنذر بعرس عند فلان وكرسول من عند القاضي والحاكم وسائر ذلك من أخبار بأن هذا فلان بن فلان ومثل هذا كثير جداً وهذا لا ينضبط بأكثر مما يسمع ومن راعى هذا المعنى لم يمض له يوم واحد قطعاً حتى يشاهد في منزله وخارج منزله من خبر واحد ما يضطر إلى تصديقه ولا بد كثيراً جداً وأما في الشريعة فخبر الواحد الثقة موجب للعلم وبرهان شرعي قد ذكرناه في كتابنا الأحكام لأصول الأحكام وقد ادعى المخالفون أن ما اتفقت عليه أمتنا بآرائها فهي معصومة بخلاف سائر الأمم ولا برهان على هذا و قال النظام أن خبر التواتر لا يضطر لأن كل واحد منهم يجوز عليه الغلط والكذب وكذلك يجوز على جميعهم ومن المحال أن يجتمع ممن يجوز عليه الكذب وممن يجوز عليه الكذب من لا يجوز عليه الكذب ونظر ذلك بأعمى وأعمى وأعمي فلا يجوز أن يجتمع مبصرون. قال أبو محمد: وهذا تنظير فاسد لأن الأعمى ليس فيه شيء من صحة البصر وليس كذلك المخبرون لأن كل واحد منهم كما يجوز عليه الكذب كذلك يجوز عليه الصدق ويقع منه وقد علم بضرورة العقل أن اثنين فصاعداً إذا فرق بينهما لم يمكن البتة منهما أن يتفقا على توليد خبر كاذب يتفقان في لفظه ومعناه فصح أنهما إذا أخبرا بخبر فاتفقا فيه أنهما أخبرا عن علم صحيح موجود عندهما ومن أنكر هذا لزمه أن لا يصدق بشيء من البلاد الغائبة عنه ولا بالملوك السالفين ولا بالأنبياء وهذا خروج إلى الجنون بلا شك أو إلى المكابرة في الحس وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل كيف أجزتم ههنا إطلاق اسم الضرورة والاضطرار ومنعتم من ذلك في أفعال االفاعلين عند ذكركم الاستطاعة وخلق الله تعالى أفعال العباد وكل ذلك عندكم خلق الله تعالى في عباده قلنا أن الفرق بين الأمرين في ذلك لائح وهو أن الفاعل متوهم منه ترك فعله لو اختار تركه وممكن منه ذلك وليس ممكناً منه اعتقاد خلاف ما تيقنه بأن يرفع عن نفسه تحقيق ما عرف أنه حق فهكذا أوقعناها هنا اسم الاضطرار ومنعنا منه هنالك وبالله تعالى نتأيد.
قال أبو محمد: ذهب قوم إلى القول بتكافؤ الأدلة ومعنى هذا أنه لا يمكن نصر مذهب على مذهب ولا تغليب م قال ة على م قال ة حتى يلوح الحق من الباطل ظاهراً بيناً لا إشكال فيه بل دلائل كل م قال ة فهي مكافئة لدلائل سائر الم قال ات و قال وا كلما ثبت بالجدل فإنه بالجدل ينقض وانقسم هؤلاء إلى أقسام ثلاثة فيما أنتجه لهم هذا الأصل فطائفة قال ت بتكافؤ الأدلة جملة في كل ما اختلف فيه فلم تحقق الباري تعالى ولا أبطلته ولا أثبتت النبوة ولا أبطلتها وهكذا في جميع الأديان والأهواء لم تثبت شيئاً من ذلك ولا أبطلته إلا أنهم قال وا إننا نوقن أن قال أبو محمد: وكان إسماعيل بن يونس الأعور الطبيب اليهودي تدل أقواله ومناظراته دلالة صحيحة على أنه كان يذهب إلى القول لاجتهاده في نصر هذه الم قال ة وإن كان غير مصرح بأنه يعتقدها و قال ت طائفة أخرى بتكافؤ الأدلة فيما دون الباري تعالى فأثبتت الخالق تعالى وقطعت بأنه حق لكل ما دونه بيقين لا شك فيه ثم لم تحقق النبوة ولا أبطلتها ولا حققت دين ملة ولا أبطلته لكن قال ت أن هذه الأقوال قولاً صحيحاً بلا شك إلا أنه غير ظاهر إلى أحد ولا بين ولا كلفه الله تعالى أحداً وكان إسماعيل بن القراد الطبيب اليهودي يذهب إلى هذا القول يقيناً وقد ناظرنا عليه مصرحاً به وكان يقول إذا دعوناه إلى الإسلام وحسمنا شكوكه ونقضنا علله الانت قال في الملل تلاعب. قال أبو محمد: وقد ذكر لنا عن قوم من أهل النظر والرياسة في العلم هذا القول إلا أننا لم يثبت ذلك عندنا عنهم وطائفة قال ت بتكافؤ الأدلة فيما دون الباري عز وجل ودون النبوة فقطعت أن الله عز وجل حق وأنه خالق وأن النبوة حق وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً ثم لم يغلب قولاً من أقوال أهل القبلة على قول بل قال وا أن فيها قولاً هو الحق بلا شك إلا أنه غير بين إلى أحد ولا ظاهر وأما الأقوال التي صاروا إليها فيما يثبتوا عليها منها فطائفة لزمت الحيرة و قال ت لا ندري ما نعتقد ولا يمكننا أخذ م قال ة لم يصح عندنا دون غيرها فنكون مغالطين لأنفسنا مكابرين لعقولنا لكنا لا ننكر شيئاً من ذلك ولا نثبته وجمهور هذه الطائفة مالت إلى اللذات وأمراح النفوس في الشهوات كيف ما مالت إليه بطبايعها وطايفة قال ت على المرء فرض لموجب العقل ألا يكون سداً بل يلزمه ولا بد أن يكون له دين يرد جربه عن الظلم والقبائح و قال وا من لا دين له فهو غير مأمور في هذا العالم على الإساد وقتل النفوس غيلة وجهراً وأخذ الأموال خيانة وعصياً والتعدي على الفروج تحيلاً وعلانية وفي هذا هلاك العالم بأسره وفساد البنية وانحلال النظام وبطلان العلوم والفضايل كلها التي تقتضي العلوم بلزومها وهذا هو الفساد الذي توجب العقول التحرز منه واجتنابه قال وا فمن لا يدن له فواجب على كل من قدر على قتله أن يسارع إلى قتله وإراحة العالم منهوتعجيل استكفاف ضره لأنه كالأفعى والعقرب أو أضر منهما ثم انقسم هؤلاء قسمين فطايفة قال ت فإذ الأمر كذلك فوجب على الإنسان لزوم الدين الذي نشأ عليه أو ولد عليه لأنه هو الدين الذي تخيره الله له في مبدأ خلقه ومبدأ نشئته بيقين وهو الذي أثبته الله عليه فلا يحل له الخروج عما رتبه الله تعالى فيه وابتداه عليه أي دين كان وهذا كان قول إسماعيل بن القداد وكان يقول من خرج من دين إلى دين فهو وقاح متلاعب بالأديان عاص لله عز وجل المتعبد له بذلك الدين وكان يقول بالمسألة الكلية ومعنى ذلك ألا يبقى أحد دون دين يعتقده على ما ذكرنا آنفاً و قال ت طائفة لا عذر للمرء في لزوم دين أبيه وجده أو سيده وجاره ولا حجة له فيه لكن الواجب على كل أحد أن يلزم ما اجتمعت الديانات بأسرها والعقول بكليتها على صحته وتفضيله فلا يقتل أحداً ولا يزني ولا يلوط ولا يبغ ولا يسع في إفساد حرمة أحد ولا يسرق ولا يغصب ولا يظلم ولا يجر ولا يجن ولا يغش ولا يغتب ولا ينم ولا يسفه ولا يضرب أحداً ولا يستطيل عليه ولكن يرحم الناس ويتصدق ويؤدي الأمانة ويؤمن الناس شره ويعين المظلوم ويمنع منه فهذا هو الحق بلا شك لأنه المتفق عليه من الديانات كلها ويتوقف عما اختلفوا فيه ليس علينا غير هذا لأنه لم يلح لنا الحق في شيء منه دون غيره. قال أبو محمد: فهذه أصولهم ومعاقدهم وأما احتجاجهم في ذلك فهو أنهم قال وا وجدنا الديانات والآراء والم قال ات كل طائفة تدعي أنها إنما اعتقدت ما اعتقدته عن الأوايل وبراهين باهرة وكل طائفة منها تناظر الأخرى فتنتصف منها وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على حسب قوة نظر المناظر وقدرته على البيان والتحلل والتشعب لهم في ذلك كالمتحاربين يكون الظفر سجالاً بينهم قال وا فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلية ولو كان لما أشكل على أحد ولم يختلف الناس في ذلك كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل شيء عليه برهان لايح قال وا ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس فيعاندوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب قال وا فلما بطل هذا صح أن كل طائفة إنما تتبع إماماً نشأت عليه وإماماً يخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبيت ولا يقين قال وا وهذا مشاهد من أهل كل ملة وإن كان فيها ما لا شك في سخافته وبطلانه و قال وا أيضاً إنا نرى الجماعة الكثيرة قد طلبوا علم الفلسفة وتبحروا فيها ووسموا أنفسهم بالوقوف على الحقائق وبالخروج عن جملة العامة وبأنهم قد اشرفوا على الصحيح بالبراهين وميزوه من الشغب والإقناع ونجد آخرين قد تمهروا في علم الكلام وأفنوا فيه دهرهم ورسخوا فيه وفخروا بأنهم قد وقفوا على الدلايل الصحاح وميزوها من الفاسدة وأنهم قد لاح لهم الفرق بين الحق والباطق بالحجج والإنصاف ثم نجدهم كلهم يعني جميع هاتين الطائفتين فلسفيهم وكلاميهم في أديانهم التي يقرون أنها نجاتهم أو هلكتهم مختلفين كاختلاف العامة وأهل الجهل بل أشد اختلافاً فمن يهودي يموت على يهدويته ونصراني يتهالك على نصرانيته وتثليثه ومجوسي يستميت على مجوسيته ومسلم يستقتل في إسلامه ومناني يستهلك في مانونيته ودهري ينقطع في دهريته قد استوى العامى المقلد من كل طائفة في ذلك مع المتلكم الماهر المستدل بزعمه ثم نجد أهل هذه الأديان في فرقهم أيضاً كذلك سواء سواء فإن كان يهودياً فاما رباني يتقد غيظاً على سائر فرق دينه وأما صابئي يلعن سائر فرق دينه وأما عيسوي يسخر من سائر فرق دينه وأما سامري يبرأ من سائر فرق دينه وإن كان نصرانياً فإما ملكي يتهالك غيظاً على سائر فرق دينه وأما نسطوري يقد أسفاً على سائر فرق دينه وأما يعقوبي يسخط على سائر فرق دينه وإن كان مسلماً فإما خارجي يستحل دماء سائر أهل ملته وأما معتزلي يكفر سائر فرق ملته وأما شيعي لا يتولى سائر فرق ملته وأما مرجئي لا يرضى عن سائر فرق ملته وأما سني ينافر فرق ملته قد استوى في ذلك العامي والمقلد الجاهل والمتكلم بزعمه المستدل وكل امرئ من متكلمي الفرق التي ذكرنا يدعي أنه إنما أخذ ما أخذ وترك ما ترك ببرهان واضح ثم هكذا نجدهم حتى في الفتيا إما حنيفي يجادل عن حنيفيته وإما مالكي يقاتل عن مالكيته وإما شافعي يناضل عن شافعيته وإما حنبلي يضارب عن حنبليته وإما ظاهري يحارب عن ظاهريته وإما متحير مستدل فهنالك جاء التحازب حتى لا يتفق اثنان منهم على مائة مسألة إلا في الندرة وكل امرئ ممن ذكرنا يزرى على الآخرين وكلهم يدعي أنه أشرف على الحقيق وهكذا القائلون بالدهر أيضاً متباينون متنابذون مختلفون فيما بينهم فمن موجب أن العالم لم يزل وأن له فاعلاً لم يزل ومن موجب أزلية الفاعل وأشياء أخر معه وأن سائر العالم محدث ومن موجب أزلية الفاعل وحدوث العالم أمبطل للنبوات كلها كما اختلف سائر أهل النحل أو لا فرق قال وا فصح أن جميعهم إما متبع للذي نشأ عليه والنحلة التي تربي عليها وإما متبع لهواه قد تخيل له أنه الحق فهم على ما ذكرنا دون تحقيق قال وا فلو كان للبرهان حقيقة لما اختلفوا فيه هذا الاختلاف ولبان على طول الأيام وكرور الزمان ومرور الدهور وتداول الأجيال له وشدة البحث وكثرة ملاقاة الخصوم ومناظراتهم وإفنائهم الأوقات وتسويدهم القراطيس واستنفاذ وسعهم وجهدهم أين الحق فيرتفع الإشكال بل الأمر واقف بحسبه أو متزيد في الاختلاف وحدوث التجاذب والفرق قال وا وأيضاً فإنا نرى المرء الفهم العالم النبيل المتيقن في علوم الفلسفة والكلام والحجاج المستنفذ لعمره في طلب الحقائق المؤثر للبحث عن البرهان على كل ما سواه من لذة أو مال أو جاه المستفرغ لقوته في ذلك النافر عن التقليد يعتقد م قال ة ما ويناظر عنها ويحاجج دونها ويدافع أمامها ويعادي من خالفها مجداً في ذلك موقناً بصوابه وخطأ من خالفه منافراً له مضللاً أو مكفراً فيبقى كذلك الدهر الطويل والأعوام الجمة ثم أنه تبدو له بادية عنها فيرجع أشد ما كان عداوة لما كان ينصر ولا هل تلك الم قال ة التي كان يدين بصحتها وينصرف يقاتل في إبطالها ويناظر في إفسادها ويعتقد من ضلالها وضلال أهلها الذي كان يعتقد من صحتها ويعجب الآن من نفسه أمس وربما عاد إلى ما كان عليها أو خرج إلى قول ثالث قال وا فدل هذا على فساد الأدلة وعلى تكافؤها جملة وإن كل دليل فهو هادم الآخر كلاهما يهدم صاحبه و قال وا أيضاً لا يخلو من حقق شيئاً من هذه الديانات أو الم قال ات من أن يكون صح له أو لم يصح له ولا سبيل إلى قسم ثالث قال وا فإن كان لم يصح له بأكثر من دعواه أو من تقليده مدعياً فليس هو أولى من غيره بالصواب وإن كان صح له فلا يخو من أن يكون صح بالحواس أو ببعضها أو بضرورة العقل وبديهته أو صح له بدليل ما غير هذين ولا سبيل إلى قسم رابع فإن كان صح له بالحواس أو ببعضها أو بضرورة العقل وبديهته فيجب أن لا يختلف في ذلك أحد كما لم يختلفوا فيما أدرك بالحواس وبديهة العقل من أن ثلثة أكثر من اثنين وأنه لا يكون المرء قاعداً قائماً معاً بالعقل فلم يبق إلا أن يقولوا أنه صح لنا بدليل غير الحواس فنسألهم عن ذلك الدليل بماذا صح عندكم بالدعوى فلستم بأولى من غيركم في دعواه أم بالحواس ويدهة العقل فكيف خولفتم فيه هذا ولا يختلف في مدركاته أحد أم بدليل غير ذلك وهكذا أبداً إلى ما لا نهاية له قال وا وهذا ما لا مخلص لهم منه قال وا ونسألهم أيضاً عن علمهم بصحة ما هم عليه أيعلمون أنهم يعلمون ذلك أم لا فإن قال وا لا نعلم ذلك أحالوا وسقط قولهم وكفونا مؤونتهم لأنهم يقرون أنهم لا يعلمون أنهم يعلمون ما علموا وهذا هوس وإفساد لما يعتقدونه وإن قال وا بل نعلم ذلك سألناهم أبعلم علموا ذلك أم بغير علم وهكذا أبداً وهذا يقتضي أن يكون للعلم علم ولعلم العلم علم إلى ما لا نهاية له وهذا عندهم محال. قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به ما نعلم لهم شغباً غير ما ذكرنا ولا لهم متعلق سواه أصلاً قال أبو محمد: وكل هذا الذي موهوا به منحل بيقين ومنتقض بأبين برهان بلا كثير كلفة ولم نجد أحداً من المتكلمين السالفين أورد باباً خالصاً في النقض على هذه الم قال ة ونحن إن شاء الله تعالى ننقض كل ما موهوا به بالبراهين الواضحة وبالله تعالى التوفيق وذلك بعد أن نبين فساد معاقد هذه الطوائف المذكورة إن شاء الله عز وجل. قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى نتأيد أما الطائفة المتحيرة فقد شهدت على أنفسها بالجهل وكفت خصومها مؤنتها في ذلك وليس جهل من جهل حجة على علم من علم ولا من لم يتبين له الشيء غباراً على من تبين له بل من علم فهو الحجة على من جهل هذا هو الذي لا يشك أحد فيه في جميع العلوم والصناعات وكل معلوم يعلمه قوم ويجهله قوم ولا أحمق ممن يقول لما جهلت أنا أمر كذا ولم أعرفع علمت أن كل أحد جاهل به كجهلي وهذه صفة هؤلاء القوم نفسها ولو ساغ هذا لأحد لبطلت الحقائق وجميع المعارف وجميع الصناعات إذ لكل شيء منها من يجهله من الناس نعم ومن لا يتحجج فيه ولا يفهمه وإن طلبه هذا أمر مشاهد بالحواس فهم قد أقروا بالجهل وندعي نحن العلم بحقيقة ما اعترفوا بجهلهم به فالواجب عليهم أن ينظروا في براهين المدعين للمعرفة بما جهلوه نظراً صحيحاً متقصي بغير هوى فلا بد يقيناً من أن يلوح حقيقة قول المحق وبطلان قول المبطل فتزول عنهم الحيرة والجهل حينئذ فسقطت هذه الم قال ة بيقين والحمد لله رب العالمين. وأما من قطع بأن ليس هاهنا مذهب صحيح أصلاً فإن قوله ظاهر الفساد بيقين لا إشكال فيه لأنهم أثبتوا حقيقة وجود العالم بما فيه وحقيقة ما يدرك بالحواس وبأول العقل وبديهته ثم لم يصححوا حدوثه ولا أزليته ولا أبطلوا حدوثه وأزليته معاً ولم يصححوا أن له خالقاً ولا أنه لا خالق له وأبطوا كلا الأمرين وأبطوا النبوة وأبطوا إبطالها فقد خرجوا يقيناً إلى المحال وإلى أقبح قول السوفسطائية وفارقوا بديهة العقل وضرورته التي قد حققوها وصدقوا موجبها إذ لا خلاف بين أحد له مسكة عقل في أن كل ما لم يكن حقاً فهو باطل وما لم يكن باطلاً فإنه حق وإن اثنين قال أحدهما في قضية واحدة في حكم واحد قال نعم والآخر لا فأحدهما صادق بلا شك والآخر كاذب بلا شك هذا يعلم بضرورة العقل وبديهته وأما قول قائل هذا حق باطل معاً من وجه واحد في وقت واحد وقول من قال لا حق ولا باطل فهو بين باطل معلوم بضرورة العقل وبديهته فواجب بإقرارهم أن من قال أن العالم لم يزل و قال الآخر هو محدث أن أحدهما صادق بلا شك وكذلك من أثبت النبوة ومن نفاها فظهر بيقين وضرورة العقل يقيناً فساد هذه الم قال ة إلا أن يبطلوا الحقائق ويلحقوا بالسوفسطائية فيكلمون حينئذ بما تلك به السوفسطائية مما ذكرناه قبل وبالله تعالى التوفيق وأما من مال إلى اللذات جملة فإنه إن كان من إحدى هاتين الطائفتين فقد بطل عقده وصح يقيناً أنه على ضلال وخطأ وباطل وفساد في أصل معتقده الذي أداه إلى الإنهماك وإذا بطل شيء بيقين فبيقين قد بطل ما تولد منه وإن مال إلى أحد الأقوال الآخر فكلها مبطل للزوم اللذات والإنهماك فصح ضرورة بطلان هذه الطريقة وإن صار إلى تحقيق الدهرية كلم بما تلكم به الدهرية مما قد أوضحناه والحمد لله وأما من قال بإلزام المرء دين سلفه والدين الذي نشأ عليه فخطأ لا خفاء به لأننا نقول لمن قال بوجوب ذلك ولزومه أخبرنا من أوجبه ومن ألزمه فالإيجاب والإلزام يقتضي فاعلاً ضرورة ولا بد منها فمن ألزم ما ذكرتم من أن يلزم المرء دين سلفه أو الدين الذي نشأ عليه الله ألزم ذلك جميع عباده أم غير الله تعالى أوجب ذلك إما إنسان وإما عقل وإما دليل فإن قال بل ما ألزم ذلك إلى من دون الله تعالى قيل له إن من دون الله تعالى معصي مخالف مرفوض لا حق له ولا طاعة إلى من أوجب الله عز وجل له فيلزم طاعته لأن الله أوجبها لا لأنها واجبة بذاتها وليس من أوجب شيئاً دون الله تعالى بأولى من آخر أبطل ما أوجب هذا وأوجب بطلانه وفي هذا كفاية لمن عقل ولا ينقاد للزوم من دون الله تعالى إلا جاهل مغرور كالبهيمة تقاد فتنقاد ولا فرق وإن قال إن العقل ألزم ذلك قيل له أنك تدعي الباطل على العقل إذا دعيت عليه ما ليس في بنيته لأن العقل لا يوجب شيئاً وإنما العقل قوة تميز النفس بها الأشياء على ما هي عليه فقط ويعرف ما صح وجوبه مما أوجبه من تلزم طاعته مما لم يصح وجوبه مما لم يوجبه من يجب طاعته ليس في العقل المراد به المتميز شيء غير هذا أصلاً وأيضاً فإن قائل هذا مجاهر بالباطل لأنه لا يخلو إن يكون يزعم أن العقل أوجب ذلك ببديهته أو ببرهان راجع إلى البديهة من قرب أو من بعد فإن ادعى أن العقل يوجب ذلك ببديهته كابر الحس ولم ينتفع بهذا أيضاً لأنه لا يعجز عن التوقح بمثل هذه الدعوى أحد في أي شيء شاء وإن ادعى أنه أوجب ذلك برهان راجع إلى العقل كلف المجيء به ولا سبيل إليه أبداً فإن قال أن الله عز وجل أوجب ذلك سئل الدليل على صحة هذه الدعوى التي أضافها إلى الباري عز وجل وهذا ما لا سبيل إليه لأن ما عند الله عز وجل من إلزام لا يعرف البتة إلا بوحب من عنده تعالى إلى رسول من خلقه يشهد له تعالى بالمعجزات وأما بما يضعه الله عز وجل في العقول وليس في شيء من هذين دليل على صحة دعوى هذا المدعي وأما احتجاجه بأنه هو الدين الذي اختراه الله عز وجل لكل أحد وأنشأه عليه فلا حجة له في هذا لأننا لم نخالفه في أن هذا درب على هذا الدين وخلقه الله عز وجل مع من دربه عليه بل نقر بهذا كما نقر بأن الله خلقه في مكان ما في صناعة ما وعلى معاش ما وعلى خلق ما وليس في ذلك دليل عند أحد من العالم على أنه لا يجوز له فراق ذلك الخلق إلى ما هو خير منه ولا على أنه لزمه لزوم المكان الذي خلق فيه والصناعة التي نشأ عليها والقوت الذي كبر عليه بل لا يختلف اثنان في أن له مفارقة ذلك المكان وتلك الصناعة وذلك المعاش إلى غيرها وأن فرضاً عليه لزوال عن كل ذلك إذ كان مذموماً إلى المحمود من كل ذلك وأيضاً فإن جميع الأديان التي أوبجها كلها هذا القائل وحقق جميعها فكل دين منها فيه إنكار غيره منها وأهل كل دين منها تكفر سائر أهل تلك الأحيان وكلهم يكذب بعضهم بعضاً وفي كل دين منها تحريم التزام غيره على كل أحد فلو كان كل دين منها لازماً أن يعتقده من نشاء عليه لكان كل دين منها حقاً وإذا كان كل دين منها حقاً منها يبطل سائرها وكل ما أبطله الحق فهو باطل بلا شك فكل دين منها باطل بلا شك فوجب ضرورة على قول هذا القائل أن جميع الأديان باطل وأن جميعها حق فجميعها حق باطل معاً فبطل هذا القول بيقين لا شك فيه والحمد لله رب العالمين وأما من قال أني ألزم فعل الخير الذي اتفقت الديانات والعقول على أنه فضل وأجتنب ما اتفقت الديانات والعقول على أنه قبيح فقول فاسد مموه مضمحل أول ذلك أنه كذب ولا اتفقت الديانات ولا العقول على شيء من ذلك بل جميع الديانات إلا الأقل منها مجموعون على قتل من خالفهم وأخذ أموالهم وكل دين لا نحاشي ديناً قاتل بأحكام هي عند سائرها ظلم وأما المنانية فإنها وإن لم تقل بالقتل فإنها تقول بترك النكاح الذي هو مباح عند سائر الديانات ويقولون بإباحة اللياطة والسحق وسائر الديانات محرمة لذلك فما اتفقت الديانات على شيء أصلاً ولا على التوحيد ولا على إبطاله لكن اتفقت الديانات على تخطئته وتكفيره والبراءة منه إذا لم يعتقد ديناً فبيناه بطلب موافق جميع الديانات حصل على مخالفة جميعها وهكذا فليكن السعي المضلل وكذلك طبائع جميع الناس مؤثرة للذات كارهة لما يتلزمه أهل الشرائع والفلاسفة فبطل تعلقهم بشيء مجمع عليه ولم يحصل إلا على طمع خائب مخالفاً لجميع الديانات غير متعلق بدليل لا عقلي ولا سمعي وقد قلنا أن العقول لا توجب شيئاً ولا تقبحه ولا تحسنه وبرهان ذلك أن جميع أهل العقول إلا يسيراً فإنهم أصحاب شرايع وقد جاءت الشرائع بالقتل وأخذ المال وضرب الإنسان وذبح الحيوان فما قال قط أصحاب العقول أنها جاءت بخلاف ما في العقول ولا ادعى ذلك إلا أقل الناس ومن ليس عقله عياراً على عقل غيره ولو كان ذلك واجباً في العقول لوجده سائر أهل العقول كما قال وا هم سواء سواء فصح أن دعواهم على العقول كاذبة في باب التقبيح والتحسين مجلة وهذا أكسر عام لنفس أقوالهم والحمد لله رب العالمين. ثم نذكر إن شاء الله تعالى البراهين على إبطال حججهم الشغبة المموه بها وبالله تعالى نتأيد. قال أبو محمد: أما احتجاجهم بأن قال وا وجدنا أهل الديانات والآراء والم قال ات كل طائفة تناظر الأخرى فتنتصف منها وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على حسب قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب فهم في ذلك كالمتحاربين يكون الظفر سجالاً بينهم فصح أنه ليس ههنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولا اختلف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوا بحواسهم وبداية عقولهم وكما هم يختلفوا في الحساب وفي كل شيء عليه برهان لائح واللائح الحق على مرور الزمان وكثرة البحث وطول المناظرات قال وا ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس ظاراً فيعادنوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب قال وا فلما بطل هذا صح أن كل طائفة تتبع أما ما نشأت عليه وأما ما يخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبت ولا يقين قال وا وهذا مشاهد من كل ملة ونحلة وأن كان فيها ما لا يشك في بطلانه وسخافته. قال أبو محمد: هذه جمل نحن نبين كل عقد منها ونوفيها حقاً من البيان بتصحيح أو إفساد بما لا يخفي على أحد صحته وبالله تعالى التوفيق أما قولهم أن كل طائفة من أهل الديانات والآراء يناظر فينتصف وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على قدر قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب والتمويه فقول صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه على ما ادعوه من تكافؤ الأدلة أصلاً لأن غلبة الوقت ليست حجة ولا يقنع بها عالم مخقق وإن كانت له ولا يلتفت إليها وإن كانت عليه وإنما نحتج بها ويغضب منها أهل المحرفة والجهال وأهل الصياح والتهويل والتشنيع القانعون بأن ي قال غلب فلان فلاناً وأن فلاناً لنظار جدال ولا يبالون بتحقيق حقيقة ولا بإبطال باطل فصح أن تغالب المتناظرين لا معنى له ولا يجب أن يعتد به لا سيما تجادل أهل زماننا الذين أمالهم نوب معدودة لا يتجاوزونها بكلمة وإما أن يغلب الصليب الرأس بكثرة الصياح والتوقح والتشنيع والجعات وأما كثير الهدر قوي على أن يملأ المجلس كلاماً لا يتحصل منه معنى وأما الذي يعتقده أهل التحقيق الطالبون معرفة الأمور على ما هي عليه فهو أن يبحثوا فيما يطلبون معرفته على كل حجة احتج بها أهل فرقة في ذلك الباب فإذا نقضوها ولم يبقوا منها شيئاً تأملوها كلها حجة حجة فميزوا الشغبي منها والأقناعي فأطرحوهما وفتشوا البرهاني على حسب المقدمات التي بيناها في كتابنا الموسوم بالتقريب في مائية البرهان وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس ببرهان وفي كتابنا هذا وفي كتابنا الموسوم بالأحكام في أصول الأحكام فإن من سلك تلك الطريق التي ذكرنا وميز في المبداء ما يعرف بأول التمييز والحواس ثم ميز ما هو البرهان مما ليس برهاناً ثم لم يقبل إلا ما كان برهاناً راجعاً رجوعاً صحيحاً ضرورياً إلى ما أدرك بالحواس أو ببديهة التمييز وضرورة في كل مطلوب يطلبه فإن سارع الحق يلوح له واضحاً ممتازاً من كل باطل دون إشكال والحمد لله رب العالمين وأما من لم يفعل ما ذكرنا ولم يكن وكده إلا نصر المسألة الحاضرة فقط أو نصر مذهب قد الفه قبل أن يقوده إلى اعتقاده برهان فلم يجعل غرضه إلا طلب أدلة ذلك المذهب فقط فبعيد عن معرفة الحق من الباطل ومثل هؤلاء غروا هؤلاء المخاذيل فظنوا أن كل بحث ونظر مجراهما هذا المجرى الذي عهدوه ممن ذكرنا فضلوا ضلالاً بعيداً وأما قولهم فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولما اختلف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل ما عليه برهان لايح فقول أيضاً مموه لأنه كله دعوى فاسدة بلا دليل وقد قلنا قبل في إبطال هذه الأقوال كلها بالبرهان بما فيه كفاية وهذا لا يمكن فيه تفصيل كل برهان على كل مطلوب لكن نقول جملة أن من عرف البرهان وميزه وطلب الحقيقة غير مايل بهوى ولا ألف ولا نفار ولا كسل فمضمون له تمييز الحق وهذا كمن سأل عن البرهان على أشكال أقليدس فإنه لا أشكال في جوابه عن جميعها بقول مجمل لكن ي قال له سل عن شكل شكل تخبر ببرهانه أو كمن سأل ما النحو وأراد أن يوقف على قوانينه جملة فإن هذا لا يمكن بأكثر من أن ي قال له هو بيان حركات وحروف يتوصل باختلافها إلى معرفة مراد المخاطب باللغة العربية ثم لا يمكن توقيفه على حقيقة ذلك ولا إلى إثباته جملة إلا بالأخذ معه في مسألة مسألة وهكذا في هذا المكان الذي نحن فيه لا يمكن أن نبين لك برهانها بحول الله تعالى وقوته ثم نقول لمن قال من هؤلاء أن ههنا قولاً صحيحاً واحداً لا شك فيه أخبرنا من أين عرفت ذلك ولعل الأمر كما يقول من قال أن جميع الأقوال كلها حق فإن قال لا لأنها لو كانت حقاً لكان محالاً ممتنعاً لأن فيها إثبات الشيء وإبطاله معاً ولو كان جميعها باطلاً لكان كذلك أيضاً سواء سواء وهو محال ممتنع لأنه فيه أيضاً إثبات إثبات الشيء وإبطاله معاً ولو كان جميعها باطلاً لكان كذلك أيضاً سواء سواء وهو محال ممتنع لأن فيه أيضاً إثبات الشيء وإبطاله معاً وإذا ثبت إثبات الشيء بطل إبطاله بلا شك وإذا بطل إثباته ثبت إبطاله بلا شك فإذ قد بطل هذان القولان بيقين لم يبق بلا شك إلا أن فيه حقاً بعينه وباطلاً بعينه قلنا له صدقت وإذا الأمر كما قلت فإن هذا العقل الذي عرفت به في تلك الأقوال قولاً صحيحاً بلا شك به تميز ذلك القول الصحيح بعينه مما ليس بصحيح لأن الصحيح من الأقوال يشهد له العقل والحواس ببراهين ترده إلى العقل وإلى الحواس رداً صحيحاً وأما الباطل فينقطع ويقف قبل أن يبلغ إلى العقل وإلى الحواس وهذا بين والحمد لله رب العالمين. وأما من أبطل أن يكون في الأقوال كلها قول صحيح فقد أخبرنا أنه مبطل للحقائق كلها متناقض لأنه يبطل الحق والباطل معاً وبالله تعالى التوفيق أما قولهم لو كان ههنا قول صحيح لما أشكل على أحد ولا اختلف فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم ولا في الحساب فإن هذا قول فاسد لأن أشكال الشيء على من أشكل عليه إنما معناه أنه جهل حقيقة ذلك الشيء فقط وليس جهل من جهل حجة على من علم برهان هذا أنه ليس في العالم شيء إلا ويجهله بعض الناس كالمجانين والأطفال ومن غمرة الجهال والبلدة ثم يتزيد الناس في الفهم فيفهم طائفة شيئاً لا تفهمه المجانين وتفهم أخرى ما لا تفهمه هؤلاء وهكذا إلى أرفع مراتب العلم فكلما اختلف فيه فقد واقف على الحقيقة فيه من فهمه وإن كان خفي على غيره هذا أمر مشاهد محسوس في جميع العلوم وآفة ذلك ما قد ذكرنا قبل وهو إما قصور الفهم والبلادة وإما كسل عن تقصي البرهان وإما لألف أو نفار قعدا بصاحبهما عن الغاية المطلوبة أو تعدياها وهذه دواعي الاختلاف في كل ما اختلف فيه فإذا ارتفعت الموانع لاح البرهان بيقين فبطل ما شغبوا به والحمد لله رب العالمين. وأما قولهم كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وفي الحساب وفيما أدركوه ببداية عقولهم فقول غير مطرد والسبب في انقطاع اطراده هو أنه ليس في أكثر ما يدرك بالحواس وبداية العقول شيء يدعو إلى التنازع ولا إلى تقليديتها لك في نصره أو إبطاله وكذلك في الحساب حتى إذا صرنا إلى ما فيه تقليد مما يدرك بالحواس أو بأوائل التمييز وجد فيه من التنازع والمكابرة والمدافعة وجحد الضرورات كالذي يوجد فيما سواه كمكابرة النصارى واستلاكهم في أن المسيح له طبيعتان ناسوتية ولاهوتية ثم منهم من يقول أن تلك الطبيعتين صارتا شيئاً واحداً وصار اللاهوت ناسوتاً تاماً محدثاً مخلوقاً وصار الناسوت ألهاً تاماً خالقاً غير مخلوق ومنهم من يقول امتزجا كامتزاج العرض بالجوهر ومنهم من يقول امتزجا كامتزاج البطانة والظهارة وهذا حمق ومحال يدرك فساده بأول العقل وضرورته وكما تهالكت المنانية على أن الفلك في كل أفق من العالم لا يدور إلا كما يدور الرحى وهذا أمر يشاهد كذبه بالعيان وكما تهالكت اليهود على أن النيل الذي يحيط بأرض مصر وزويلة ومعادن الذهب وأن الفرات المحيط بأرض الموصل مخرجهما جميعاً من عين واحدة من المشرق وهذا كذب يدرك بالحواس وكما تهالكت المجوس على أن الولادة من إنسان وأن مدينة واقفة من بنيان بعض ملوكهم بين السماء والأرض وكتهالك جميع العامة على أن السماء مستوية كالصحيفة لا مقبية مكورة وأن الأرض كذلك أيضاً وأن الشمس تطلع على جميع الناس في جميع الأرض في ساعة واحدة وتغرب عنهم كذلك وهذا معلوم كذبه بالعيان وكتهالك الأشعرية وغيرهم ممن يدعي العلم والتوفيق فيه أن النار لا حر فيها وأن الثلج لا برد فيه وأن الزجاج والحصا لهما طعم ورائحة وأن الخمر لا يسكر وأن ههنا أحوالاً لا معدومة ولا موجودة ولا هي حي ولا هي باطل ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي معلومة ولا مجهولة وهذا كله معلوم كذبه وبطلانه بالحواس وبأول العقل وضرورته وتخليط لا يفهمه أحد ولا يتشكل في وعم أحد ولو أننا شاهدنا أكثر من ذكرنا لما صدقنا أن من له مسكة عقل ينطلق لسانه بهذا الجنون وكتهالك طوائف على أن اسمين يقعان على مسميين كل واحد من ذينك المسميين لا ههو الآخر ولا هو غيره وكالسوفسطائية المنكرة للحقائق وأما الحساب فقد اختلف له في أشياء من التعديل ومن قطع الكواكب وهل الحركة لها أو لأفلاكها وأما الذي لا يخلو وقت من وجوده فخطأ كثير من أهل الحساب في جمع الأعداد الكثيرة حتى يختلفوا اختلافاً ظاهراً حتى إذا حقق النظر يظهر الحق من الباطل وهذا نفس ما يعرض في كل ما يدرك بالحواس فظهر بطلان تمويههم وتشبيهم جملة والحمد لله رب العالمين وصح ما أنكروه من أن كثيراً من الناس يغيبون عن اعتقاد ما شهدت له الحواس وينكرون أوائل العقول ويكابرون الضرورات أما أنهم كسلوا عن طلب البرهان وقطعوا بظنونهم وأما لأنهم زلوا عن طريق البرهان وظنوا أنهم عليه وأما لأنهم ألفوا ما مالت إليه أهواؤهم لألف شيء ونفار عن آخر وأما قولهم وللاح الحق على مرور الأزمان وكثرة البحث وطول المناظرات في قال لهم وبالله تعالى التوفيق نعم قد لاح الحق وبان ظن الباطل وأن كان كل طائفة تدعيه فإن من نظر على الطريق التي وصفنا صح عنده المحق المدعي من المبطل وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس فيعادنوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخر بلا معنى فقول فاسد لأنا قد رأيناهم أتوا أشياء بدا الحق فيها إلى الانس فعانده كثير منهم وبذلوا مهجعهم فيه وكأنهم ما شاهدوا الأمر الذي ملأ الأرض من المقاتلين الذين يعرفون بقلوبهم ويقرون بألسنتهم أنهم على باطل يقتتلون ويعترفون بأنهم بلغوا مهجهم ودماءهم وأموالهم وأديانهم ويوتمون أولادهم ويرملون نساءهم في قتال عن سلطان غائب عن ذلك القتال لا يرجون زيادة درهم ولا يخاف كل امرئ منهم في ذاته تقصيراً به لو لم يقاتل أو لم يروا كثيراً من الناس يأكلون أشياء يوقنون بأنهم يستضرون بها ويكثرون شرب الخمر وهم يقرون أنها قد آذنتهم وأفسدت أمزجتهم وأنها تؤديهم إلى التلاف وهم يقرون مع ذلك أنهم عاصون لله تعالى وكم رأينا من الموقنين بخلود العاصي في النار المحقيين لذلك يقر على نفسه أنه يفعل ما يخلد به في النار فإن قال وا أن هؤلاء يستلذون ما يفعلون من ذلك قلنا لهم أن استلذاذ من يدين بشيء ما يبصره لما يدين به وتعصبه له أشد من استلذاذ الأكل والشرب لما يدري أنه يبلغه من ذلك نقول لهم أخبرونا عن قولكم هذا أنه ليس ههنا قول سطعت حجته ولو كان لما اختلف الناس فيه أحق وهي هذه القضية التي قطعتم بها وهل قولك هذا ظاهر الحجة متيقن الحقيقة أم لا فإن قال وا لا أقروا بأن قولهم لم تصح حجته ولا لاح برهانه وأنه ليس حقاً ما قال وه وإن قال وا بل هو حق قد لاحق حجته قلنا لهم فكيف خولفتم في شيء لاحت حجته حتى صار أكثر أهل الأرض يعمون عماً لا شك فيه عندكم وعن ما لاح الحق فيه حتى اعتقدوا فيكم الضلال والكفر وإباحة الدم وهذا هو نفس ما أنكروا قد صرحوا أنه حق والحمد لله رب العالمين وأما احتجاجهم بانت قال من ينتقل من مذهب إلى مذهب وتهالكه في إثباته ثم تهالكه في إبطاله ورومهم أن يفسدوا بهذا جميع البراهين فليس كما ظنوا لأن كل متنقل من مذهب إلى مذهب فلا يخلو ضرورة من أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون انتقل من خطأ إلى خطأ أو من خطأ إلى صواب أو من صواب إلى خطأ وأي ذلك كان فإنما أتى في الانت قال ين الاثنين الذين هما إلى الخطأ من أنه لم يطلب البرهان طلباً صحيحاً بل عاجزاً عنه بأحد الوجوه التي قدمنا قبل وأما الانت قال إلى الصواب فإنه وقع عليه بحد صحيح وطلب صحيح أو بحد وبحث وهذا يعرض فيما يدرك بالحواس كثيراً فيرى الإنسان شخصياً من بعيد فيظنه فلاناً ويحلف عليه ويكابر ويجرد ثم يتبين له أنه ليس هو الذي ظن وقد يشم الإنسان رائحة يظنها من بعض الروائح ويقطع على ذلك ويحلف عليه مجداً ثم يتبين له أنه ليس هو الذي ظن وهكذا في الذوق أيضاً وقد يعرض هذا في الحساب فقد يغلط الحاسبون في جمع الأعداد الكثيرة فيقول أحدهم أن الجميع من هذه الأعداد كذا وكذا ويخالفه غيره في ذلك حتى إذا بحثوا بحثاً صحيحاً صح الأمر عندهم وقد يعرض هذا للإنسان فيما بين يديه يطلب الشيء بين متاه طلباً مردداً المرة بعد المرة فلا يجده ولا يقع عليه وهو بين يديه ونصب عينيه ثم يجده في أقرب مكان منه وقد يكتب الإنسان مستملياً أو يقرأ فيصحف ويزيد وينقص وليس هذا بموجب ألا يصح شيء بإدراك الحواس أبداً ولا إلا يصح وجود الإنسان شيئاً افتقده أبداً ولا ألا يصح جمع الأعداد أبداً ولا ألا يصح حرف مكتوب ولا كلمة مقروءة أبداً لا مكان وجود الخطأ في بعض ذلك لكن التثبيت الصحيح يليح الحق من الباطل وهكذا كل شيء أخطأ فيه ولا بد من برهان يليح الحق فيه من الباطل ولا يظن جاهل أن هذه المعاني كلها حجة لمبطلي الحقائق بل هي برهان عليهم لائح قاطع لأن كل ما ذكرنا لا يختلف حس أحد في أن كل ذلك إذا فتش تفتيشاً صحيحاً فإنه يقع اليقين والضرورة بأن الوهم فيها غير صحيح وأن الحق فيها ولا بد فبطل تعلقهم بمن رجع من مذهب إلى مذهب ولم يحصلوا إلا على أن قال وا أنا نرى قوماً يخطئون فقلنا لهم نعم ويصيب آخرون فإقرارهم بوجود الخطأ موجب ضرورة أن ثم صواباً لأن الخطأ هو مخالفة الصواب فلو لم يكن صواباً لم يكن خطأ ولو لم يكن برهان لم يكن شغب مخالف للبرهان ثم نعكس استدلالهم عليهم فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد فإذ قد وجدتم من يعتقد ما أنتم عليه ثم يرجع عنه فهلا قلتم أن مذهبكم هذا كالأقوال الأخر التي أبطلتموها من أجل هذا الظن الفاسد في الحقيقة وهو في ظنكم صحيح فهو لكم لازم لأنكم صححتموه ولا يلزمنا لأننا لا نصححه ولا صححه برهان. قال أبو محمد: وبهذا الذي قلنا يبطل ما اعترضوا به من اختلاف المدعين الفلسفة والمنتحلين الكلام في مذاهبهم وما ذكروه من اختلاف المختارين أيضاً في اختيارهم لأننا لم ندع أن طبائع الناس سليمة من الفساد لكنا نقول أن الغالب على طبائع الناس الفساد فإن المنصف لنفسه أولاً ثم لخصمه ثانياً الطالب بالبرهان على حقيقة العارف به فدليل برهاننا على هذا ما وجدناه من اختلاف الناس واختلافهم كثيراً دليل على كثرة الخطاء منهم وقد وضحنا أن وجود الخطاء يقتضي ضرورة وجود الصواب منهم ولا بد وليس اختلافهم دليلاً على أن لا حقيقة في شيء من أقوالهم ولا على امتناع وجود السبيل إلى معرفة الحق وبالله تعالى التوفيق وأما احتجاجهم بأنه لا يخلو من حقق شيئاً من الديانات والم قال ات والآراء من أن يكون صح له بالحواس أو بالعقل أو ببعضها أو ببديهة العقل وضرورته أو بدليل من الأدلة غير هذين وأنه لو صح بالحواس أو بالعقل لم يختلف فيه وإلزامهم في الدليل مثل ذلك إلى آخر كلامهم فهذا كله مقرر قد مضي الكلام فيه وقد أريناهم أنه قد يختلف الناسفيما يدرك بالحواس وببديهة العقل كاختلافهم في الشخص يرونه ويختلفون فيه ما هو وفي الصوت يسمعونه بينهم فيما هو ويختلفون فيه وكأقوال النصارى وغيرهم مما يعلم بضرورة العقل فساده ثم نقول لهم أن أول المعارف هو ما أدرك بالحواس وببديهة العقل وضرورته ثم ينتج براهين راجعة من قرب أو من بعد إلى أول العقل أو إلى الحواس فما صححته هذه البراهين فهو حق وما لم تصححه هذه البراهين فهو غير صحيح ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق قولكم هذا بأي شيء علمتموه بالعقول أم بالحواس أو بدليل غيرهما فإن علمتموه بالحواس أو العقول فكيف خولفتم فيه وإن كنتم عرفتموه بدليل فذلك الدليل بما عرفتموه أبالحواس أم بالعقول أم بدليل آخر وهكذا أبداً وكل سؤال أفسد حكم نفسه فهو فاسد وعلى أن هذا لهم لازم لأنهم صححوه ومن صحح شيئاً لزمه ونحن لم نصحح هذا السؤال فلا يلزمنا وقد أجبنا عنه بما دفعه عنا وأما هم فلا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم نسألهم عن علمهم بما يدعون صحته أتعلمونه أم لا فإن قال وا لا نعلمه بطل قولهم إذا قروا بأنهم لا يعلمونه وإن قال وا بل نعلمه سألناهم أبعلم علمتم علمكم بذلك أم بغير علم وهكذا أبداً فهذا أمر قد أحكمنا بيان فساده في باب أفردناه في ديواننا هذا على أصحاب معمر في قولهم بالمعاني وعلى الأشعرية ومن وافقهم من المعتزلة في قولهم بالأحوال وإنما كلامنا هذا مع من يقول بتكافؤ الأدلة. قال أبو محمد: وهذا السؤال نفسه مردوده عليهم كما هو ونسألهم أتعلمون صحة مذهبكم هذا أم لا فإن قال وا لا أقروا بأنهم لا يعلمون صحته وفي هذا إبطاله والله وإنما هو ظن لا حقيقة وإن قال وا بل نعلمه سألناهم أبعلم تعلمونه أم بغير علم وهكذا أبداً إلا أن أن السؤال لازم لهم لأنهم صححوه ومن صحح شيئاً لزمه وأما نحن فلم نصححه فلا يلزمنا وقد أجبنا عنه في بابه بأننا نعلم صحة علمنا بعلمنا ذلك بعينه لا بعلم آخر ونعقل أن لنا عقلاً بعقلنا ذلك بنفسه وإنما هو سؤال من يبطل الحقائق كلها لا من يقول بتكافؤ الأدلة فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين. قال أبو محمد: ثم نقول لهم أنتم قد أثبتم الحقائق وفي الناس من يبطلها ومن يشك فيها وهم السوفسطائية وعلمتم أنهم مخطئون في ذلك ببراهين وفي الناس من يبطلها ومن يشك فيها ما أبطلتموه أو شككتم فيه من أن في مذاهب الناس مذهباً صحيحاً ظاهر الصحة فإذا سأل عنها أجيب بها في مسألة مسألة. قال أبو محمد: وي قال لمن قال لكل ذي ملة أو نحلة أو مذهب لعلك مخطئي وأنت تظن أنك مصيب لأن هذا ممكن في كثير من الأقوال بلا شك أخبرنا أفي الناس من فسد دماغه وهو يظن أنه صحيح الدماغ فإن أنكر ذلك كابر ودفع المشاهدات وإن قال هذا ممكن قيل له لعلك أنت الآن كذلك وأنت تظن أنك سالم الدماغ فإن قال لا لأن هاهنا براهين تصحح أني سالم الذهن قيل له وهاهنا براهين تصحح الصحيح من الأقوال وتبينه من الفاسد فإن سأل عنها أجبت بها في مسألة مسألة. قال أبو محمد: فإذا قد بطل بيقين أن تكون جميع أقوال الناس صحيحة لأن في هذا أن يكون الشيء باطلاً وحقاً معاً وبطل أن تكون كلها باطلاً لأن في هذا أيضاً إثبات الشيء وضده معاً لأن الأقوال كلها إنما هي نفي شيء يثبته آخر من الناس فلو كان كلا الأمرين باطلاً لبطل النفي في الشيء وإثباته معاً وإذا بطل إثباته صح نفيه وإذا بطل نفيه صح إثباته فكان يلزم من هذا أيضاً أن يكون الشيء حقاً باطلاً معاً ثبت بيقين أن في الأقوال حقاً وباطلاً وإذ هذا لا شك فيه فبالضرورة نعرف أن بين الحق والباطل فرقاً موجوداً وذلك الفرق هو البرهان فمن عرف البرهان عرف الحق من الباطل وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل فإنكم محيلون علي براهين تقولون أن ذكرها جملة لا يمكن وتأمرون بالجد في طلبها فما الفرق بينكم وبين دعاة الإسماعيلية والقرامطة الذين يحيلون على مثل هذا قلنا لهم الفرق بيننا وبينهم برهانان واضحان أحدهما أن القوم يأمرون باعتقاد أقوالهم وتصديقهم قبل أن يعرفوا براهينهم ونحن لا نفعل هذا بل ندعوا إلى معرفة البراهين وتصحيحها قبل أن نصدق فيما نقول والثاني أن القوم يكتمون أقوالهم وبراهينهم معاً ولا يبيحونها للسبر والنظر ونحن نهتف بأقوالنا وبراهيننا لكل أحد وندعوا إلى سبرها وتقييسها وأخذها إن صحت ورفضها إن لم تصح والحمد لله رب العالمين ولسنا نقول إننا لا نقدر أن نحد براهيننا بحد جامع مبين لها بل نقدر على ذلك وهو أن البرهان المفرق بين الحق والباطل في كل ما اختلفوا فيه أن يرجع رجوعاً صحيحاً متيقناً إلى الحواس أو إلى العقل من قرب أو من بعد رجوعاً صحيحاً لا يحتمل ولا يمكن فيه إلا ذلك العمل فهو برهان وهو حق متيقن وإن لم يرجع كما ذكرنا إلى الحواس أو إلى العقل فليس برهاناً ولا ينبغي أن تشتغل به فإنما هو دعوى كاذبة وبالله تعالى التوفيق وبهذا سقط القياس والتقليد لأنه لا يقدر القائلون بهما على برهان في تصحيحهما يرجع إلى الحواس أو إلى العقل رجوعاً متيقناً. قال أبو محمد: ونحن نقول قولاً كافياً بعون الله وقوته وهو أن أول كل ما اختلف فيه من غير الشريعة ومن تصحيح حدوث العالم وأن له محدثاً واحداً لم يزل ومن تصحيح النبوة ثم تصحيح نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن براهين كل ذلك راجعة رجوعاً صحيحاً ضرورياً إلى الحواس وضرورة العقل فما لم يكن كذا فليس بشيء ولا هو برهاناً وإن كان ما اختلف فيه من الشريعة بعد صحة جملها فإن براهين كل ذلك راجعة إلى ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى إذ هو المبعوث إلينا بالشريعة فما لم يكن هكذا فليس برهاناً ولا هو شيئاً وفي أول ديواننا هذا باب في ماهية البراهين الموصلة إلى معرفة الحقيقة في كل ما اختلف الناس فيه فإذا أضيف إلى هذا ارتفع الإشكال والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد: الأرض غبراء وفيها حمراء بيضاء وصفراء وخضراء وسوداء وموشاة والماء كله أبيض إلا أن يكتسب لوناً بما استضاف إليه لفرط صفائه فيكتسى لون إنائه أو ما هو فيه وإنما قلنا أنه أبيض لبراهين أحدها أنه إذا صب في الهواء بهرق ظهر أبيض صافي البياض والثاني في أنه إذا جمد فصار ثلجاً أو برداً ظهر أبيض شديد البياض وأما الهواء فلا لون له أصلاً ولذلك لا يرى لأنه لا يرى إلا اللون وقد زعم قوم أنه إنما لا يرى لانطباقه على البصر وهذا فاسد جداً وبرهان أن المرء يغوص في الماء الصافي ويفتح عينيه فيه فيرى الماء وهو منطبق على بصره لا حائل بينهما ولا يرى الهواء في تلك الحال وإن استلقي على ظهره في الماء وهذا أمر مشاهد وأما الذي يرى عند دخول خط ضياء الشمس من كوة فإنما هو أن الأجسام تنحل منها أبداً أجزاء صغار وهي التي تسمي الهباء فإذا انحصر خط ضياء الشمس وقع البصر على تلك الأجزاء الصغار وهي متكاثفة جداً ولونها الغبرة فهي التي ترى لا ما سواها ومن تأمل هذا عرفه يقيناً وإن البيوت مملوءة من هذا الضياء المنحل من الأرض والثياب والأبدان وسائر الأجرام ولكن لدقتها لا ترى إلا أن انحصر خط الشمس فيرى ما في ذلك الانحصار منها فقط وأم النار فلا ترى أيضاً لأنه لا لون لها في فلكها وأم المرئية عندنا في الحطب والفتيلة وسائر ما يحترق فإنما هي رطوبات ذلك المحترق يستحيل هواء فيه نارية فتكتسب ألواناً بمقدار ما تعطيها طبيعتها فتراها خضراء ولازوردية وحمراء وبيضاء وصفراء وبالله تعالى التوفيق وهذا يعرض للرطوبات المتولد منها دائرة قوس قزح. قال أبو محمد: أجمع جميع المتقدمين بعد التحقيق بالبرهان على أنه لا يرى إلا الألوان وإن كل ما يرى فليس إلا لوناً وحدوا بعد ذلك البياض بأنه لون يفرق البصر وحدوا السواد بأنه لون قال أبو محمد: وهذا حد وقعت فيه مسامحة وإنما خرجوه على قول العامة في لون السواد ومعنى يجمع البصر أنه يقبضه في داخل الناظر ويمنع من انتشاره ومن تشكل المرئيات وإذ هذا معنى القبض بلا شك فهو معنى منع البصر والإدراك وكفه ومن هذا سمى المكفوف مكفوفاً فإذا السواد يمنع البصر من الانتشار ويقبضه عن الانبساط ويكفه عن الإدراك وهذا كله معنى واحد وإن اختلفت العبارات في بيانه فالسواد بلا شك غير مرئي إذ لو رؤى لم يقبض خط البصر إذ لا رؤية إلا بامتداد البصر فإذ هو غير مرئي فالسواد ليس لوناً إذ اللون مرئي ولا بد ما لم ير فليس لوناً وهذا برهان عقلي ضروري وبرهان آخر حسي وهو أن الظلمة إذا أطبقت فلا فرق حينئذ بين المفتوح العينين السالم الناظرين وبين الأعمى المنطبق والمسدود العينين سداً أو كفاً فإذ ذلك كذلك فالظلمة لا ترى ومن الباطل الممتنع أن تكون ترى الظلمة وبالحس نعلم أن المنطبق العينين فيها بمنزلة واحدة من عدم الرؤية ومع المفتوح العينين فيها والظلمة هي السواد نفسه فمن ادعى أنهما متفاير إن فقد كابر العينان وادعى ما لا يأتي عليه بدليل أبداً ونحن نجد أن لو فتح في حائط بيت مغلق كوتان ثم جعل على أحدهما ستر أسود وتركت الأخرى مكشوفة لما فرق الناظر من بعد بينهما أصلاً ولو جعل على أحدهما ستر أحمر أو أصفر أو أبيض لتبين ذلك للناظر يقيناً من بعد أو قرب وهذا بيان أن السواد والظلمة سواء وبرهان أخر حسي وهو أن خطوط البصر إذ استوت فلا بد من أن تقع على شيء ما لم تقف فيه مانع من تماديها ونحن نشاهد من بين يديه ظلمة أو هو فيها لا يقع بصره على حائط إن كان في الظلمة وسواء كان فيها حائط مانع من تمادي خط البصر أو لم يكن فصح يقيناً أن الظلمة لا ترى بل هي مانعة من الرؤية والظلمة هي السواد والسواد هو الظلمة لم يختلف قط في هذا اثنان لا بطبيعة ولا بشريعة ولا في معنى الله ولا بالمشاهدة فقد صح أن السواد لا يرى أصلاً وأنه ليس لوناً. قال أبو محمد: وإنما وقع الغلط على من ظن أن السواد يرى لأنه أحس بوقوع خطوط البصر على ما حوالي الشيء الأسود من سائر الألوان فعلم بتوسط إدراكه ما حوالي الأسود أن بين تلك النهايات شيئاً خارجاً عن تلك الألوان فقدر أنه يراه ومن هاهنا عظم غلط جماعة ادعوا بظنونهم من الجهة التي ذكرنا أنهم يرون الحركات والسكون في الأجرام والأمر في كل ذلك وفي الأسود واحد ولا فرق فإن قال قائل أنه إن كان في جسم الأسود زيادة ناتئة سوداء كسائر جسده رأيناها فلو لم تر لم تعلم بنتوء تلك الهيئة الناتئة له على سطح جسده قيل له وبالله تعالى التوفيق هذا أيضاً وهم لأنه لما لم يمتد خط البصر عند قبض تلك الهيئة الناتئة له وامتدت سائر الخطوط إلى أبعد من تلك المسافة وعلمت النفس بذلك توهم من لم يحقق أن هذه رؤية وليست كذلك وتوهموا أيضاً أنهم يرون السواد ممازحاً لحمرة أو لغبرة أو لخضرة أو لصفرة أو لزرقة فإذا كان هذا هكذا فإن البصر يرى ما في ذلك السطح من هذه الألوان على حسب قوتها وضعفها فقط فيتوهمون من ذلك أنهم رأوا السواد ويتوهمون أيضاً أنهم يرونه لأنهم قال وا نحن نميز الأسود البراق البصيص واللمعان من الأسود الأكدر الغليظ. قال أبو محمد: وهذا مكان ينبغي أن نتثبت فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق أن الأملاس هو استواء أجزاء السطح والخشونة هي تباين أجزاء السطح وقد نجد أملس لماعاً وأملس كدراً فإذ ذلك كذلك فالبصيص واللمعان شيء أخير غير استواء أجزاء السطح وإذ هو كذلك وهو مرئي فالبصيص بلا شك لون آخر محمول في الملون بالحمرة أو الصفرة أو سائر الألوان وفيما عري من جميع الألوان سواء فإذا قلنا أسود لماع فإنما نريد أنه ليس فيه من الألوان إلا اللمعان فقط فهو لون صحيح وقد عرى من الحمرة ومن الصفرة ومن البياض والخضرة والزرقة ومما تولد من امتزاج هذه الألوان ولعل الكدرة أيضاً لون آخر مرئي كاللمعان وهي أيضاً غير سائر الألوان فهذا ما لا يوجد ما يمنع منه بل الدليل يثبت أن الكدرة أيضاً لون لون وهو وقوع البصر عليها وهو لا يقع إلا على لون ومن أبى من هذا كلفناه أن يحد لنا اللمعان والكدرة فإنه لا يقدر على شيء أصلاً غير ما قلنا وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل فإنا نرى الثوب الأسود يستبين نسج خيوطه ونتوء ما نتأ منها وانخفاض ما انخفض فلولا أنه يرى ما علم ذلك كله فالجواب وبالله تعالى التوفيق أنا قد علمنا أن خطوط البصر تخرج من الناظر ولها مساحة ما وبعضها أطول من بعض بلا شك لأن الخطوط الخارجة من البصر إلى السماء أطول من الخطوط الخارجة من البصر إلى الجليس لك بلا شك فلما خرجت خطوط البصر إلى الثوب المذكور انقطع تمادي بعضها أكثر من تمادي البعض فبالحس علمنا هذا لا لأن بصرنا وقع على لون أصلاً وأيضاً فإن النور هو اللون الذي طبعه بسط قوة الناظر واستخراج قوى البصر حتى أنه إذا وافق ناظراً ضعيف البنية بطبعه أو بعرض اجتلب جميعه واستلبه كله أو اقتطفه فعلى قدر قوة النور في اللون المرئي وضعفه فيه يكون وقوع البصر عليه هذا أمر مشاهد بالعيان فكلما قل النور في اللون كان وقوع البصر عليه أضعف وكانت الرؤية له أقل حتى إذا عدم النور جملة ولم يبق منه شيء فقد بطل بالضرورة أن يمتد خطوط البصر إليه وأن يقع الناظر عليه إذ لا نور فيه ولا يختلف ذو حس في العالم في أن السواد المحض الخالص ليس فيه شيء من النور فإذ لا شك في هذا فلا شك في أنه لا يرى وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فإن جبلاً ذا لون ما وأرضاً ذات لون ما وفيهما غاران مظلمان لا شك أن كل ناظر إليهما فإنه لا يرى إلا ما حول الغارين وأنه لا يرى ما ضمه خط الغارين فإذ هذه كلها براهين ضرورية مشاهدة حسية عقلية فالبرهان لا يعارضه برهان أصلاً والبرهان لا يعارض بالدعوى ولا بالظنون والحمد لله رب العالمين وأما من كلام الله تعالى فالله يقول "
قال أبو محمد: الحيوان كله ينقسم أقساماً ثلاثة متوالد ولا بد ولا يتولد ومتولد ولا بد لا يتوالد وقسم ثالث يتوالد ويتولد أيضاً فأما المتولد المتوالد فكبنات ردان فإنها تتولد وقد رأيناها تتسافد وكالجعلان فإنها تتولد وقد رأيناها تتسافد وكثير من الحيوان المتولد في النبات وقد رأيناه يتسافد ومثل القمل فإنا قد شاهدناه يخرج من تحت الجلد يانا ويحدث في الرؤوس وقد يتوالد وقد نجد بعضه إذا قطع مملوء بيضاً وأما المتولد الذي لا يتوالد فالحيوان المتولد في أصول أشفار العينين وأصول شعر الشارب واللحية والصدر والعانة وهو ذو أرجل كثيرة لا يفارق موضعه وما علمناه يتوالد أصلاً ومثل الصفار المتولد في البطن وشحمة الأرض وكل هذا لا نعلمه يتوالد البتة وقد شاهدنا ضفادع صغاراً تتولد من ليلتها فتصبح مناقع المياه منها مملوءة ومنها الثلماندرية وهو حيوان كبير يشبه الجراذين الصغار بطيئة الحركة وحيوانات كثيرة منها صغير مفرط الصغر يكاد لصغره لا يتجزأ مثلما كثيراً رأيناه في الدوى والدفاتر وهو سريع المشي جداً ومنها السوس المتولد في الباقلا والدود المتولد في الجراحات وفي الحمص والبلوط وفي التفاح وبين الحشيش وبين الصنوبر وفي الكنف وهي ذوات الأذناب والحباحب المتولد في الخضر وهو في غاية الحسن ومنه ما يضيء بالليل كأنه شرارة نار والدود ذوات الأرجل الكثيرة لذاراريح وهذا كثير لا يحصيه لا خالقه عز جل ومنها الضفادع والحجازب فقد صح عندنا يقيناً لا مجال للشك فيه أنها تتولد في منافع المياه دويبات صغار ملس شديدة السواد ذوات أذناب تمشي عندنا ثم صح عندنا كذلك أنها تكبر فتقطع أذنابها وتتبدل ألوانها وتستحيل أشكالها وتعظم فتصير ضفادع ثم تزيد كبراً واستحالة ألوان فتصير حجازب. قال أبو محمد: قد رأيتها في جميع تنقلها كما وصفنا وقد عرض علينا في منافع المياه خطوط ظاهرة قيل لنا أنها بيض الضفادع وأما الذباب فقد شاهدناها عياناً تتناكح والأنثى منها هي الكبار والذكور هي الصغار وشاهدنا البراغيث تتناكح أيضاً والكبار هي الأنثى والذكور هي الصغار نشاهد ذلك بأن الأعلى هو الصغير أبداً ونجد الأنثى مملوءة بيضاً إذا وضعت فتلقي في قال أبو محمد: وقد رأينا ذباباً صغيراً جداً وذباباً كباراً مفرط الكبر وشاهدنا بأبصارنا الدور الطويل الذنب المتولد في الكنف وزبول البقر والغنم يستحيل فيصير فراشاً طياراً مختلف الألوان بديع الخلقة من ابيض وأصفر فاقع وأخضر ولازوردي منقط ولا ندري كيف الحال في العقارب والعناكب والرتيلات والبقوقات والدبر إلا أننا ندري أن دود الحرير يتوالد يتسافد الذكور منها والأناث وتبيض ثم تحضن بيضها هذا ما لا خلاف فيه وما رأى أحد قط دود حرير يتولد من غير بيضه وكذلك النمل فإنه يتوالد وقد رأينا بيضه والعرب تسميه المازن وكذلك النحل يتوالد ويوجد في مواضع من بنائه في تضاعيف القبر الذي فيه العسل وكذلك الجراد والعرب تسميه بيضة الصرد. قال أبو محمد: وما رأى أحد قط نحلاً يتولد ولا نملاً يتولد ولا جراداً يتولد إلا في أكذوبات لا تصح وأما سائر الحيوان فمتوالد ولا بد من مني أو بيض فكل ذي أذن بارزة يلد طائراً كان أو غير طائر كالخفاش وغيره وكل ما ليس له أذن بارزة فهو يبيض طائراً كان أو غير طائر كالحيات والجراذين والوزغ وغير ذلك. قال أبو محمد: فطلبنا أن نحد حداً يجمع ما يتولد دون ما يتوالد أو ما يتوالد دون ما يتولد فلم نجد إلا أننا رأينا كل ذي عظم وفقارات لا سبيل البتة إلى أن يوجد من غير تناكح كحيوان البحر الذي له العظم والفقارات ورأينا ما لا عظم له ولا فقار فمنه ما يتولد ولا يتوالد ومنه ما يتولد ويتوالد معاً وكل ذلك خلق الله عز وجل يخلق ما يشاء كما شاء لا إلى إلا هو وليست القدرة في الخلق في خلق ما خلقه الله عز وجل حيواناً ذا أربع أو ذا ريش من بيضة أو من مني بأعظم من القدرة من خلقها من تراب دون توسط بيضة ولا مني ولا البرهان عن الصنع والابتداء في إحداهما بأوضح منه في الآخر بل كل ذلك برهان على ابتداء الخلقة وعلى عظيم القدرة من الباري لا إله إلا هو. قال أبو محمد: وقد ادعى قوم أنه يتولد في الثلج حيوان ويتولد في النار حيوان وهذا كذب وباطل وإنما قاسوه على تولد حيوان ما في الأرض والماء والقياس باطل لأنه دعوى بلا برهان وما لا برهان له فليس بشيء وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: وإذا حصلت الأمر فالحيوان لا يتولد من الماء وحده ولا من الأرض وحدها ولكن مما يجتمع من الأرض والماء معاً فتبارك الله أحسن الخالقين لا معقب لحكمه لا إله غيره عز وجل. تم السفر الثالث بتمام جميع الديوان من الفصل في الملل والآراء والنحل بحمد الله وشكره على حسن تأييده وعونه.
|